التناص هو ذلک المصطلح النقدی الحداثوی الذی ظهر فی أواخر ستینات القرن الماضی فی مدارس النقد الغربی ، ثم شاع استخدامه فی النقد العربی بعد ذلک ، وقد توصلت هذه الدراسات التناصیه إلی نتائج جدیده واستفاده رائعه من النصوص الأدبیه قدیمها وحدیثها، وأظهرت بوضوح تعالق وترابط النصوص مع بعضها البعض، وامتداد النص الأدبی وجذوره الدینیه والتاریخیه والأدبیه ، وقد قامتْ هذه الدراسه فی هذا البحث الذی عنوانه التناص فی مدائح النبی (ص) وأهل بیته الکرام (ع) عند الصاحب بن عبّاد، علی تناول هذه المدائح فی دیوان الشاعر ودراستها من خلال قواعد البحث التناصی الحدیث، وقد تم تحدید الأبیات الشعریه التی تناصَ فیها الشاعر مع النصوص الدینیه بکل فروعها والنصوص التاریخیه والأدبیه وتحدید کیفیه اجترار وامتصاص الشاعر لهذه الجُمل والألفاظ والمعانی فی نصه الشعری وجعلها منسجمه مع معناه القصدی وهدفه الذی قام من أجله ؛ لذا فإنَّ الهدف الأساسی من هذا البحث هو إیجاد العلائق المشترکه بین هذه المدائح وبین النصوص التراثیه الأخری بکل أنواعها ، وقد اعتمدتْ الدراسه فی هذا البحث علی المنهج الوصفی التحلیلی , ومن خلال الوصف والتحلیل انطلق مسار البحث فی کل الفصول , فشرح أُسس النظریه التناصیه وأنواعها ومستویاتها وحیاه الشاعر وشعره کانت من خلال المنهج الوصفی , أما تحلیل أبیات مدائح النبی (ص) وأهل البیت ( ع) لمعرفه أنواع التناص ومستویاته فقد کانت من خلال المنهج التحلیلی ، وقد أظهرت نتائج الدراسه بعد تطبیق هذین المنهجین أجوبهً لکل الأسئله التی طرحناها فی البدء وتطابقاً کاملاً مع الفرضیات التی ارتکزنا علیها قبل البحث ، حیثُ ظهر واضحاً جلیاً أنّ التناص الدینی کان غالباً علی کل أنواع التناصات الأخری فی هذه المدائح وارتفاع نسبه مستوی الاجتراری فیه ، فقد تعالق النص الدینی مع نصوص الشاعر تعالقاً وثیقاً واصطبغ دیوانه الشعری بصبغه دینیه خالصه متخذاً من الجانب العقائدی الشیّعی مساراً ومنطلقاً لهذه المدائح، فضلاً عن الاستدعاء التاریخی الذی کان حضوره واضحاً بالمستوی الاجتراری ، أما التناص الأدبی فقد تعالقت أبیات الشاعر مع شعراء قدامی ومعاصرین لعصره الأدبی تعالقاً بمستویات إبداعیه متنوعه، کما ظهر فی البحث ارتفاع نسبه التناص الداخلی للنصوص الدینیه ، فالشاعر یعید الاجترار مرات متعدده وبصور شعریه ابداعیه مختلفه ، ونستنتج من هذا صدق العقیده التی سار علیها الشاعر والمنهج الثابت والراسخ فی الاتباع هذا من جانب , أما الجانب الآخر هو قدره الشاعر علی التصویر والإبداع فهو یصوّر الحادثه الواحده المتناص معها مراتٍ ومرات وهدفه من هذا توثیقها فی ذهن السامع بطریقه شعریه محببه وسهله سریعه الحفظ والاستحضار ؛ لذا فمدائح الصاحب للنبی (ص) وآله الکرام قد تناولتْ کل مفاخرهم ومناقبهم التی حاول الکثیر من الحاقدین والمبغضین دفنها وتغیبها عن ذاکره الأمه الإسلامیه لأهداف سیاسیه تسلطیه مقیته , فأصبح دیوانه الشعری سجلاً جامعاً لکل تلک المناقب والمفاخر , هذا والحمد لله رب العالمین هو الموفق والمعین.
